مقدمة :
تعتبر عدن من أقدم المدن العربية التي كانت تمثل محور تواجد حضاري للنشاط التجاري الذي جعلها محط أنظار كبرى دول العالم ، وقد ورد ذلك في كثير من الدراسات والمخطوطات التاريخية القديمة بتأكيد من منظمة اليونيسكو في تقريرها الذي صدر مؤخراً وتم الإشارة فيه أن عدن تتصدر اقدم مدن العالم . وقد حظيت عدن بإهتمام كثير من الدول الكبرى لما تتميز به من خصائص ومميزات .
تعتبر عدن أهم منفذ طبيعي على بحر العرب والمحيط الهندي فضلاً عن تحكمها بطريق البحر الأحمر عن طريق الممر المائي المعروف بباب المندب، وتشكل عدن أنموذجاً متميزاً لتكامل النشاط الاقتصادي وتنوع البنيان الإنتاجي، إذ جمعت بين الأنشطة الصناعية والسمكية والتجارية والسياحية والخدمية، وتنبع أهميتها من كونها ميناءً تجاريًّا من أهم الموانئ في المنطقة، ومنطقة تجارة حرة إقليمية ودولية.
التسمية :
اشار المؤرخون بأن كلمة عدن مشتقة من فعل ( عدن ) من العدون , وتعني الإقامة , أو من المعدن , وهو معدن الحديد ، و أعطت المعاجم اللغوية معاني كثيرة لكلمة ( عــدن ) منها ( عــدن ) بمعنى الأقامة ، و( عــدن ) البلد اي سكنها و( عــدن ) المكان اي استخرج منها المعدن .
ومعاني أخرى تعطي مفاهيم متشابهه هي ( الاقامة مع مايجعل الاستقرار ممكنا ) ، وتورد القواميس معنى آخر لعدن ( بأنها تعني ساحل البحر ) ، والمصادر التاريخية العربية حول تسمية ( عــدن ) كثيرة ، ومهما اختلفت الآراء والتفسيرات حول تسمية مدينة عدن الا أن جميعها متفقة حول عراقتها التاريخية كميناء تجاري هام منذ ( بداية الألف الاول قبل الميلاد حيث ورد اسمها في الكتب المقدسة ( التوراة والانجيل ) وكذلك في النقوش المسندية وفي الأسفار .
الموقع :
تقع عدن جغرافيا في اقصى الطرف الجنوبي الغربي لشبه الجزيرة العربية ، وفلكيا على خط عرض ( 12:47 شمالا ) وخط طول ( 44:75 شرقا ) وتبعد بنحو 95 ميل بحري شرقي مضيق باب المندب البوابة الجنوبية للبحر الاحمر والتوقيت الزمني في مدينة عدن يزيد عن توقيت جرنيتش بثلاث ساعات. وما يميز موقعها أنها تقع بين مصر والهند الأمر الذي أكسبها شهرة كبيرة في طريق التجارة العالمية القديم.
عاصمة عدن هي مدينة كريتر التي تقع على فوهة بركان خامد ومنه أشتق اسمها بالإنجليزية ، كما يطلق عليها اسم "عدن القديمة" لما تتميز به من مباني آثرية وأسواق عتيقة وشوارع ضيقة جميلة .
السكان :
بلغ عدد سكان عدن سنة 1931 حوالي 51500 نسمة. وبعد ذلك تم إجراء تعدادين سكانيين في سنتي 1946 و 1955 بلغ سكانها تعداد 80516 نسمة و138441 نسمة على التوالي أي بزيادة فاقت %50.
لقد كان النمو السكاني في عدن مضطرد لعوامل كثيرة تتصل بالهجرة من مناطق الأرياف المحيطة بها ، بالإضافة الى تواجد عدد كبير من الأجناس المختلفة عبر الهجرة الخارجية للعمل في كثير القطاعات الحيوية فيها وتحديداً في كبرى الشركات العالمية التي كانت متواجدة ولها أنشطة مختلفة في عدن .
وأستمر النمو السكاني حتى وصل عدد السكان الى ما يقرب من مليون نسمة حتى العام 2014 م .
المناخ :
يتميز مناخ عدن بالحر الشديد في فصل الصيف مع إرتفاع درجة الحرارة التي تصل الى 35 درجة مئوية فيما نسبة الرطوبة ترتفع الى مستويات عالية تصل مابين 70 و 80% ، كما تشهد عدن مع قرب إنتهاء فصل الصيف رياح موسمية شديدة مصحوبة بغبار وعواصف رملية ، تم يعتدل الجو مع قرب فصل الشتاء الذي عادة ما تشهد خلاله عدن هطول أمطار شتوية وتنخفض فيه درجة الحرارة ليصل متوسطها الى 20 درجة مئوية ، ويتلطف الجو الذي يساعد على ممارسة العديد من الأنشطة والرياضية والسياحية في المدينة .
التضاريس :
عدن من المدن الساحلية التي تتواجد فيها العديد من الشواطئ الذهبية الدافئة المحاطة بسلسلة جبال ( جبال شمسان )موزعة على معظم مناطقها كاجبل العيدروس جنوباً و جبل المنظر شرقاًحيث تطل على مسطح مائي كبير هو خليج عدن، الذي بدوره ينفتح على المحيط الهندي ،
وعلى إمتداد أحد أطول سواحلها المسمى بساحل أبين الذي يربط عدن بعدد من المحافظات و المدن الجنوبية المحيطة بها وذلك من الجهة الشرقية ، كما أن هناك عدة طرق تمتد على شواطئها من الجهة الغربية التي تربطها بمناطق متاخمة لها ومن أهمها عمران ورأس العارة وصولا الى مضيق باب المندب .
الهوية الثقافية :
ولما كانت عدن عاصمة الجنوب ولما تتميز به كما أسلفنا من خصائص ومميزات وأهمية إقتصادية وتجارية فقد مثل نسيجها الإجتماعي خليط من جميع محافظات الجنوب، فأنتشر فيها الزي الشعبي الأبيني و اليافعي واللحجي والشبواني والحضرمي كما تأثر ايضاً موروثها الشعبي بالإضافة الى موروثها الثقافي ، وتداخلت ثقافات متقاربة الى حد ما في العادات والتقاليد وقد تجلى ذلك في الشعر و الأدب وكذا الأغاني والمواويل والزوامل لمختلف المناطق الجنوبية في قالب فني جنوبي مرغوباً و محبوباً لدى جميع السكان من مختلف التجمعات السكانية التي شكلت في مجملها النسيج الإجتماعي في عدن .
مناصب عدن ووجهاءها وأعيانها:
لقد كان لعدن مناصب و شيوخ وأعيان لهم مآثر وأعمال جليلة ، في إزدهار الحياة الإجتماعية و إدارة شؤونها وتمثيل أهلها في كثير من المفاوضات في المحافل المحلية والخارجية ، وقد إرتبط تاريخ عدن با شيوخ المناصب المعروفين بالسادة آل العيدروس (كبار شيوخ عدن و الجنوب )الذين كان لهم إسهامات كبيرة في هذا الجانب تشهد لها العديد من الدراسات والأبحاث لكثير من المؤرخين والكتاب .
الاهمية الاستراتيجية :
تكمن الأهمية الإستراتيجية في عدن بالأساس من أهمية شهرة ميناءها التاريخي ، وقد غدت عدن نتيجة لموقعها الإستراتيجي الهام وصلتها بربط الأنشطة والحركة التجارية بين الشرق والغرب ، القلب النابض لتنشيط حركة التجارة العالمية .
أصبحت عدن مركز تجاري هام ومحطة لتموين البواخر في فترة حكم الأدارة البريطانية ولقد كان لموقع عدن في شبة الجزيرة العربية التي تتوسط القارات الثلاث وكانت مرفأ للسفن وموقعها قد فرض نفسه ، ويمكن أن نقول أن الطبيعة قد هيأت المدينة لتكون مدينة تجارية تنمو وتزدهر بإطراد ، مع دخول العديد من الخدمات الريادية كالإتصالات التي كان لها دور كبير في تنشيط الحركة التجارية لعدن عبر ميناءها الذي كان على إتصال بعدد موانئ العالم .
وقد كان لدور عدن التجاري هذا أثراً كبيراً في إزدهار الحياة الثقافية نتيجة لإنفتاحها على العالم والتأثر بالكثير من الثقافات الأخرى لعدد من الدول العربية والأجنبية .